الرحيـل

أصعب لحظات المحبين تلك اللحظة التي يلملم فيها كل طرف بقايا مشاعره .. وأحلامه .. وذكرياته .. ويقرر الرحيل
تلك اللحظة التي ينتبه فيها قلب إلى أن نصفه الآخر ، والذي ظن في نشوة فرحة وسكرة سعادته أنه قد التئم معه ، وأنه من المستحيل أن يستطيع العيش بدونه قد قرر المضي وحده.
ذهول .. غضب .. حيرة .. ألم .. رجاء ..بعض من هذه المشاعر ـ وربما كلها ـ يبدأ في الظهور حينما يقرر طرف أن لحظة النهاية الدامية قد آن .. وأن الفراق أصبح قدر محتوم لا مناص منه.
ويبدأ المرء في إلقاء الأسئلة في حيرة ...لماذا !!؟ وكيف ..؟!! ومتى ..؟!!
والحقيقة أن هناك خطأ كبير وواضح يقع فيه معظم المحبين !
نعم كبير وواضح .. لكن الحب بلمعانه وبريقه ونشوته يغشى أعيننا عن رؤية الكثير من الحقائق والمسلمات ، مما يجبرنا على تذوق ألم التجربة ومرارة الحدث.
إن أكبر الأخطاء التي يقع فيها المحبون هو أنهم ينهلون من الحب بلا حساب .. وبدون ثمن !
بلى وبدون ثمن ..! إن أحد قواعد الحياة الثابتة أن لكل شيء ثمن..حتى الحب والعشق والحميمية ..
بيد أن ثمنها من نفس جنسها .. والدفع يكون كالتحصيل ..فهو حب مقابل حب .. ومشاعر متبادلة تدخل وتخرج في امتزاج فريد.
أكبر أخطائنا أننا حينما نحب نأخذ ، ونفرح ، وننتشي في سعادة ، ونظن بأن هذا هو الطبيعي والمتوقع ، وننسى في المقابل أن نُعطي ..
ننسى أن للطرف الآخر حاجيات يريد إروائها ، ومشاعر تحتاج إلى رعاية وتعهد .. ونخدع أنفسنا دائما بأن الحب قادر على مداوة مشاكله بنفسه ..
فتركه تارة للأيام علها تعالجه ..وندعه تارة أخرى لحسن النوايا .. وبلسم النسيان .وكأي كائن حي .. يعطش الحب ..ويتشقق ..ويذبل ..ويموت ..يموت في غفلة عنا ..
ولا نستطيع وقتها مد يد العون له ..لكننا وفي غمرة الألم .. والغضب .. والذهول نلقي الاتهامات على الطرف الآخر في تلك الفاجعة .
نستدعي من مخزون الذاكرة كل موقف سيء .. ومؤلم .. وخاطئ للطرف الآخر ساعد على موت الحب .نُخرج من أرشيف القلب أوراق سيئة .. وكلمات قاسية .. وممارسات خاطئة .
وتتجه الأصابع نحو الآخر وننسى ذواتنا .. وأخطائنا .. وما جنته أيدينا وتنتهي المأساة ويصبح الحب ماض .. وبقايا ذكريات متناثرة في زوايا العقل والقلب .. وقلبين قد حطم كل منهما الآخر.

متى تعرف أنك لست بطة؟


يحكى أنه كانت هناك بطة وضعت بيضها ورقدت عليه حتى يفقس، وبعد فترة وجيزة بدأت البيضات بالفقس لتخرج ثلاث فراخ من البط لونها أصفر رقيق كفراخ البط العادية، وأخرجت الرابعة بطة كبيرة الحجم ولونها رمادي..! استنكرت الأم هذه البطة واستقبحت منظرها وعاملتها فيما بعد بازدراء شديد وفضّلت عليها إخوتها.. وعندما كبرت هذه البطة كانت تزداد قبحاً وسواداً؛ مما جعل من حولها يعزفون عن صداقتها، وراحوا يسخرون منها، وصاروا يتعمدون إيذاءها بالقول أو الفعل.
انطلقت البطة حزينة مبتعدة عن المكان الذي عاشت فيه، وقررت الانطواء والعيش وحدها، دخلت إلى الغابة وعاشت حياتها وقررت مواجهة مصيرها منفردة، وبينما هي منفردة تواجه مصاعب الحياة وتهرب من مطاردة العابثين والطامعين فيها من سباع الحيوان والطير وجدت نفسها أمام جدول ماء، اقتربت لتشرب، فنظرت فإذا صورتها في الماء مختلفة تماماً عما كانت تظنه، ورسخ في ذهنها قديماً؛ لقد شاهدت رقبتها طويلة وبيضاء وأجنحتها كبيرة بيضاء كالثلج.. وقبل أن تفيق من دهشتها اقتربت منها ثلاث طيور بيضاء جميلة وقالوا لها: كم أنت جميلة أيتها البجعة.
وهنا أدركت البطة الحقيقة التي اختفت عنها وعمن حولها طويلاً، وهي أنها ليست بطة، إنها بجعة جميلة.. ومنذ ذلك اليوم لم تعد تشعر أنها قبيحة أو غير مرغوبة؛ فقد عرفت نفسها وقيمتها ومكانها بين المخلوقات.
في أحيان كثيرة نتصور أننا عالة على المجتمع أو أننا غير مرغوب فينا؛ فقط لأننا لا نستطيع أن نكون كما يريدون أو كما يتصورون، وننخدع نحن بما يقولونه وندع مسألة الكشف عن أنفسنا لمن حولنا، ونستسلم نحن لأحكامهم علينا، ولا نكلف أنفسنا تجربة أن نعرف هويتنا أو ما نحن مبدعون فيه أو ما نجيده.
كم من فتاة شعرت بالتعاسة؛ لأن من حولها لا يراها جميلة جذابة، وأغلقت على نفسها أبواب الحياة وفقدت كل أمل في أن تكون ملكة في بيت أو مبدعة في مجال حياتي تتفوق فيه وتكون محط أنظار الجميع، واستسلمت لفكرة أحادية البعد أطلقها عليها الآخرون.
وكم من شاب أعلن فشله في الحياة؛ لأن الناس قالوا إنه أقل ذكاء من أقرانه، أو إنه بطيء، أو أنه لا يستطيع الحديث بلباقة كزملائه.
ألم تتعرض مرات عديدة للإحباط؛ لأنك فشلت أو لم توفّق في عمل ما ذهبت إليه، أو في كلية أو دراسة التحقت بها؟ إن هذا لا يعني بالتأكيد أنك فاشل كليةً أو أنك إنسان عالة المجتمع؛ بل إنه يعني أنك يجب أن تعيد النظر في طاقاتك وإمكانياتك، وتوظيفها في مكانها الصحيح، وساعتها فقط ستكتشف جمالك وقيمتك ودورك الذي لا يقوم به إلا أنت..
وساعتها كذلك ستحظى باحترام الآخرين وتقديرهم.
وهذا لا يعني أن نتجاهل تعليقات الآخرين ونقدهم لنا أو نصحهم ما داموا غير حاقدين أو كارهين لنا يريدون لنا الفشل فيضللوننا بتعليقاتهم؛ بل يعني أن نضع هذا النقد في موضعه المناسب، ونعلم أنه بالفعل موجّه إلى عيب فينا شخصياً أم لأننا نقف في المكان الخطأ من الحياة، لا يُظهر قيمتنا.
فكر مرة أخرى واختبر قدراتك، واسأل نفسك: هل أنت بالفعل بطة؟

كيف ننسى مصائبنا ؟


هل من ترياق يأخذه المرء منا فينسى أحزانه وآلامه وشجونه؟
أو هل من طبيب يعالج فينا عضلة التذكر فتتخدر، وتطمس حينها الذكريات حزينة؛ فلا نتذكرها ثانية؟
يقول زكي مبارك: "أحب أن أنسى ولكن.. أين بائع النسيان؟".
أين من يضمد الجراح، ويُسلّي الروح، ويربت على القلوب الحزينة الملتاعة؟
ولا أظن أن واحداً منا لم ينادِ يوماً على بائع النسيان ليبيعه شيئاً من بضاعته!
فما من امرئ إلا ولديه ما يحتاج إلى نسيان.. كلنا نمتلك ملفات في صندوق ذاكرتنا، يجب أن تُحرق تماماً: علاقة مُحطمة.. كبوة قاسية.. فشل ذريع.. أمل لم نبلغه..غاية لم ندركها..
أشياء وأشياء يكفي تذكرها كي يلتاع الفؤاد وتهيج الروح.
فكيف ننسى؟، كيف ننطلق للأمام غير عابئين بالماضي وآلامه، متخطين أحزانه وجزعه وأهواله؟
وفي الحقيقة إن النسيان أمر صعب، إن لم يكن مستحيلاً؛ وذلك لأن الذاكرة يستهويها الاحتفاظ بالتفاصيل المؤلمة، وتهوى أرشفة الحزن والألم واللوعة.
لكننا نستطيع أن نقفز فوق آلامنا وأحزاننا، إن لم نستطع نسيانها؛ وذلك بفعل ما يلي:
لا تُقِم مأتما بقلبك
ما أعجب بني البشر، يلعنون الحزن بَيْد أن له في قلوبهم هوى وعشقاً، ومُعظم من قابلتهم من البشر يدمن الحزن، ويتلذذ بدقائق الشجن ولحظات اجترار الأحزان.. إننا -مع الأسف- نهوى إقامة المآتم في قلوبنا؛ فنبكي على حبيب قد غدر، وصديق قد خان، ودهر يتقلب فتتقلب معه أحوالنا، نذرف الدمعة تلو الأخرى، ونتذكر ما كان كل دقيقة وثانية، دون أن نحاول غلق باب التذكر.
وهل يجلب الحزن مثل التذكر؟
هل ينكأ الجرح مثل العبث به، والضغط عليه، بدلاً من تجاهله ونسيانه؟
وهل يمكننا التعافي ونحن نبحث عما يساعدنا على اجتلاب ما يعيدنا إلى اللحظة التي نتمنى نسيانها؟
يا صديقي.. إذا ما أحببت أن تعلو فوق أحزانك؛ فيجب أولاً أن تهدم ذلك المأتم الذي أقمته بداخلك، ولن يكون ذلك إلا بالكفّ عن الدوران حول الموقف أو الحدث المؤلم الحزين، واسترجاع ما من شأنه أن يعيدك في ثانية إلى ما يحزنك، يجب أن تُشغل القلب والنفس والروح بما يستنهض عزمك وطموحك وأمانيك، أن تؤمن بأن أفضل ما في الحياة لم يأت بعد فتنطلق إليه، وبأن أحزانك الماضية ليست سوى نوع من الضريبة التي ندفعها نظير العيش في عالم كُتِب علينا أن نعيشه في كمَد وكبَد؛ مصداقاً لقول ربنا {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}.
افتح صندوقك الأسود
فكما أننا بحاجة إلى هجر التذكر الدائم للآلام والمصائب؛ فإننا بحاجة كذلك إلى الحديث عما يؤلمنا، وفتح الصناديق السرية التي نحتفظ فيها بأحزاننا؛ وذلك لأن إغلاق القلب على الشيء المؤلم خطر، تماماً كمداواة جروح الجسد دون إخراج الشظايا التي دخلته؛ فعاجلاً أو آجلاً سينتشر ما دفناه بالداخل، ويدمر كل شيء، وعندها فقط ندرك أننا كنا نخدع أنفسنا، وبأننا لم نتطهر بعد.
ليس في الأمر تضاد يا صاحبي؛ فالحديث عن الأحزان مُهم، وقديماً قال شاعرنا أبو علاء المعري:
إذا ما عراكم حادث فتحدثوا .... فإن حديث القوم يُنسي المصائبا
سنحتاج في أوقات ما أن نفتح بوابة القلب، ونُخرج ما يحزننا، شريطة أن يكون لمن نثق به، ونثق بقدرته على الاحتواء والنصح، وجميل الإنصات والتفهم.
ليس حديثاً سوداوياً موصولاً؛ وإنما بوح وشكوى، وطلب معونة ودعم، نتذكر خلالها ضعفنا البشري، ونقف على الحدود الحقيقية لقدرتنا، ونقطف العِبرة والمثال، وبعدها ننسى ما كان، ونعود إلى سابق حياتنا.
ثق بربك
أن تكون هذه آخر النصائح ليس لكونها الأقل أهمية؛ بل كي تكون خاتمة القول؛ فلا تُنسى أبداً.. فمَن غير الله يُعين المرء على نسيان آلامه وأحزانه؟ ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ بالله من "الهم والحزَن"؛ فهو دعاء والتجاء إلى الله أن يُذهب عنا الهموم والأحزان، ثم يجب أن يكون المرء منا بجانب ذلك متفائلاً بأن الغد أفضل من اليوم؛ فالتفاؤل جزء من طبيعة الإنسان المسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، ويقول ربنا جل اسمه في الحديث القدسي: "أنا عند ظني عبدي بي؛ فليظن بي ما يشاء"؛ فجعل ثقتنا به، وحُسن ظننا بتقديره أول درجات الراحة والهناء، وفي المقابل فإن تشاؤمنا وحزننا، وتزعزع ثقتنا بحوله وقوته بداية السوء والهلاك.
يا صاحبي.. ليس في محكمة الحياة استئناف! أحكام ربنا نافذة، لن يُجدي معها معارضة أو صراخ أو عويل.
إن قضى بحُكم؛ فإن أفضل ما نفعله أن نُسلم له تسليماً مُطلقاً نهائياً، أن نقول كما علّمنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "قدّر الله وما شاء فعل"؛ فالتسليم بالمشيئة أحد أفضل ما يقوم به العقلاء؛ بينما العويل والشكوى دلالة على اهتزاز العقل واضطرابه، وهو أيضاً دليل على ضعف الإيمان واهترائه.
____________
بقلم : كريـم الشاذلي

أنت نسيح وحدك


لماذا لا ينمو الناس على فطرتهم التي خلقهم الله عز وجل عليها؟؟ كما تنمو أنواع النباتات في مغارسها ولا يحاكي أحدها الآخر؟؟؟
لماذا يسعون إلى تقليد الآخرين وإلغاء شخصياتهم أمامهم ؟؟ مع أن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعاملونه هكذا أبداً ؟؟


إن خروج الإنسان عن سجاياه وانفصاله عن طباعه العقلية والنفسية السليمة أمر يفسد عليه حياته ويثير الاضطراب في سلوكه..


اعلم انك نسيج وحدك..فأنت شئ فريد في هذا العالم ولا يوجد من يشبهك تمام الشبه شكلياً أو نفسياً.. وهذا من تمام قدرة الله عز وجل..


فاغبط نفسك على هذا وارض بما قسم الله تعالى لك، وابذل جهدك لتستفيد مما منحك ربك إياه من مواهب وصفات متقبلاً في الوقت ذاته علاتك وسلبياتك.


إن أكبر غلطة يرتكبها بعض الناس أنهم لا ينطلقون في تعاملهم مع الآخرين على سجاياهم ولا يصرحون بحقيقة أفكارهم,بل يحاولون أن يقولوا ما يظنون أنه يرضي هؤلاء الآخرين..


يقول أحد علماء النفس :


إننا لا نستخدم إلا جانباً يسيراً من مواردنا الجسمية والذهنية ,فالواحد منا يعيش في حدود ضيقة يصطنعها بنفسه ورغم امتلاكه لقوى كثيرة مختلفة فهو لا يفطن إليها أو يخفق في استثمارها على الوجه الصحيح...


يقول الله تعالى: 'ولكل وجهة هو موليها'، إن لهذه الآية في تفسيرها آفاقاً أكثر رحابة من القبلة والصلاة كما ذكر بعض العلماء.


ومــــن ذلك : 

اختلاف خصائص النفوس


إن لكل إنسان مذهباً في هذه الحياة بحسب ما يجد في نفسه من ميل طبيعي أو ملاءمة لخصائص ذاته.


ولا يعني ذلك أصحاب المبادئ الواضحة في السياسة أو الفلسفة ,إنما تتسع الدائرة لتشمل الناس جميعاً العاديين منهم والمميزين .


فالناس ليسوا نسخة واحدة مكررة متماثلة الشكل وهذا يقابله اختلاف آخر في ملامح النفس وتسوية الطباع وخصائص الفكر والعاطفة أي ما يمكن تسميته الملامح الباطنة ,فلكل إنسان كيانه المعنوي المميز عمن سواه.


اختلاف وجهات القلوب


إن القالب الحسي هو الوعاء لخصائص الكيان المعنوي ,فالعوامل الباطنة هي التي توجه البدن وتفرض عليه ألوان التصرفات.


للطبع أحكامه وللغرائز مطالبها وللعاطفة ميولها وللفكر منطقه وتمييزه ونقده...


وكل ذلك لا يستطيع أن يتخذ سبيله إلى ظاهر الحياة وأن يعبر عن نفسه ويكشف حقيقة مستورة بداخله إلا بواسطة الأجهزة التي يتألف منها البدن .


إذاً :


حقيقة المرء ليست بدنه الذي يؤمر فيفعل وإنما هي المزاج المعنوي الذي يجمع اتجاهات الطبع والغرائز والعاطفة والفكر في نسق أو كيان نفسي واحد يطبع صاحبه بطابعه الخاص ويرسم له في أذهان الناس شخصية مميزة عمن سواه.


وهذا الكيان هو حقيقة المرء التي تهب له وجوده المستقل والمتميز في الحياة.


الحق سبحانه وتعالى لا يريد بهذا مجرد التقرير بل يريد النص قانوناً أصيلاً لإصلاح الفرد والمجتمع...


ومن هنا نلمح النقاط التالية : 


إن لكل إنسان شخصيته المستقلة 


فإذا حافظ على هذا الاستقلال ودعم أصوله وزكى فروعه فقد مضى على سنة ربه وإلا فهو منافق ومقلد لغيره أو ربما راح يتكلف الأمور ويرائي في تصرفاته ,وبهذا يكون قد أهدر شخصيته وغيّر خلق الله وهذا من وساوس الشيطان.


إن لكل إنسان حقه في اختيار اتجاهه في الحياة


فهو حر في اختيار الوجهة التي يريدها لخدمة نفسه ومجتمعه,ويجب أن يكون هذا الاتجاه المختار من نبع فؤاده ووحي ضميره ووجدانه,فإذا حملناه على غير طبيعته فقد حملناه على الرهق وأدخلنا التشويش على عوامله النفسية المؤتلفة، وهذا أيضاً تغيير لخلق الله.


إن لكل إنسان رأيه الحر:ووجهته التي ينظر بها للأمور ولا أحد يدري على سبيل الجزم أين الحق والخير...فالنظر للحياة من زواياها المختلفة يكفل لنا الإحاطة بأوفر حظ من الصواب والخير
وفي هذا نوع من التعاون الذهني على استثارة ما في الكون من منافع حسية
ومعنوية لصالح كل من الفرد والمجتمع ولذا خلقنا الله تعالى متفاوتين في
التفكير.


وليس معنى هذا أن الإنسان حر في تنشيط مواهبه العقلية أو إهمالها وتجاهلها..لا....فإن لكل موهبة خلقها الله فينا حقاً علينا في تنشيطها واستعمالها فيما خلقت له وهذا من صميم الشكر..


أما تعطيلها فهو جحود بنعمة الله,فما قيمة المرء إن عاش بذهن كاسد وفكر معطل ؟؟ وما قيمة الأمة إن طغى هذا الحال على أفرادها ؟؟


اجعلوا الخير غايتكم في وجه تسيرون فيه فإذا تقرر الهدف كانت وحدة الأمة وإذا كان الخير هو الغاية كان الصلاح لا محالة.


من كتاب: جدد حياتك للشيخ الغزالي.

سجـل نجاحك في الوقت بدل الضائع !

1- كن كالأخطبوط في استغلال الوقت
هناك عدد من الأوقات التي تضيع منا دون أن ندري؛ إما لصغر حجمها، أو لأننا لم نعتد أن نفعل فيها شيئاً، أو أننا نحاول استغلالها بشكل خاطئ.. وهذه الأوقات على سبيل المثال: أوقات انتظار المواصلات، أو زميل ما، أو في طابور لمصلحة حكومية أو خاصة - الأوقات التي نقضيها في المواصلات - الأوقات التي نقضيها في التسامر والحديث - الأوقات التي يقضيها بعضنا قبل النوم.

وحتى نستطيع الاستفادة بمثل هذه الأوقات علينا أن نختار الأعمال التي تناسبها؛ فبعضنا يحب القراءة، ويشعر أن هناك ما ينقصه إذا لم يقرأ مدة ساعة أو أكثر في اليوم؛ ولذلك يحاول اقتطاع ساعة من وقته الثمين والحيوي من العمل أو الراحة أو الواجبات الاجتماعية للقراءة؛ في حين أنه يمكنه فعل ذلك مثلاً في أوقات انتظار المواصلة التي تقلّه إلى مكان عمله أو منزله، وأحياناً يمكنه استغلال وقت ركوب المواصلة نفسها كالمترو وغيره.. ويمكنك استغلال هذا الوقت كذلك في إجراء مكالماتك المهمة أو الاجتماعية أو تلك التي تجريها لأصدقائك؛ بدلاً من أن تخصص لها وقتاً منفصلاً تتفرغ فيه.

ويمكنك إجراء هذه المكالمات أثناء مشاويرك مثلاً؛ فبدلاً من السير عشر دقائق لا تفعل شيئاً سوى التفكير السلبي والنظر إلى الناس والمحالّ التجارية؛ يمكنك إجراء مكالماتك، أو سماع وِردك اليومي من القرآن مثلاً.
ويمكنك أن تستفيد بالوقت الذي تقضيه في الحديث مع شخص ما بإنهاء عمل لا يحتاج منك إلى تنبّه ذهني؛ مثل الأعمال اليدوية التي تفعلها بعض النساء، أو قصّ أو تغليف بعض الكتب، أو تحميل شيء من الإنترنت.. إلخ.

2- ابتعد عن التعقيد
لا تحاول أن تعقّد الأمور أكثر من اللازم؛ كي لا تضيع وقتك في الانتظار أو مجهودك في ترتيب غير مهم بالنسبة لطبيعة ما ستفعله.. فعمل مسودة مثلاً لا يستلزم منك الذهاب لشراء بعض الورق؛ بل قم بكتابتها على أي ورق قديم أو مستعمل سلفاً.. ولا يحتاج تفكيرك في مسألة ما أن تنتظر حتى عودتك لمنزلك والجلوس في غرفتك أو في الشرفة للتفكير فيها؛ بل يمكنك فعل ذلك في أي مكان هادئ تجد نفسك فيه مصادفة.

3- فكّر مرة واحدة فقط
لا تفكر فيما أخذت فيه قرارك سلفاً، إذا لم يكن هناك جديد يدعوك لذلك؛ فما دمت قد فكرت بما يكفي وتوصلت لبعض النتائج، ولم يكن هناك معطيات جديدة تدعوك لإعادة التفكير؛ فلا داعي أن تتردد في اتخاذ القرارات وتعيد التفكير فيها لتتوصل إلى نفس النتائج أو إلى أخرى مشابهة.. ولذلك عليك أن تركز في اتخاذ قرارك وفي أفعالك حتى لا تضطر لمراجعة ذلك مستقبلاً.. وهذا ما فعله النبي الكريم في غزوة أُحد؛ حيث كان رافضاً لفكرة الخروج لملاقاة المشركين وفضّل انتظارهم بالمدينة؛ لكن عندما كان الإجماع من الصحابة على الخروج، قام ولبس عدة الحرب؛ فلما رأى الصحابة عدم الرضا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، طلبوا منه عدم الخروج ورجعوا عن قرارهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما كان لنبي أن يخلع لأْمَته للحرب بعد أن لبسها".

4- "الشاطرة تغزل برجل حمار"
الإنسان المرن هو من يستطيع التكيّف من متغيرات الواقع؛ أما ذاك الذي يضع نفسه في قوالب جامدة؛ فغالباً ما يتعرض لإضاعة وقته وجهده؛ بالإضافة لما يصاب به كثيراً من إحباط وملل يغزو حياته.
فعلى سبيل المثال: من اعتاد أن يذاكر على مكتبه، وحصل ظرف ما لم يمكّنه من الجلوس على هذا المكتب؛ فعليه أن يحاول التكيّف مع ظروف أخرى مناسبة مثل الهدوء والجلوس منفرداً.. إلخ.

5- أشباه المنبّهات
عليك حتى لا ينسحب منك الوقت أن تستخدم المنبهات المباشرة وغير المباشرة لتذكيرك دوماً بما يجب عليك فعله؛ والمنبهات المباشرة هي الساعات العامة المعروفة، وغير المباشرة هي: أوقات الأذان مثلاً، ومواعيد البرامج التليفزيونية، أو مواعيد نشرات الأخبار، أو عودة والدك أو زوجك من عمله، أو أيام الأعياد والمناسبات.. وهذه المنبهات غير المباشرة تعمل على تحفيزك على العمل وإنهاء كوتات يومية أو أسبوعية أو شهرية، وتمكّنك من تقييم إنتاجك دائماً.. وهذا ما فعله النبي الكريم حينما أمر الصحابة محفزاً "لا يصلّينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة"، وكانوا متجهين إلى هناك، وربما طال بهم الطريق أو أنهكهم التعب فوصلوا بعد موعد صلاة العصر.

6- لا تؤجل عمل الأمس إلى ما لا نهاية
في نهاية كل مرحلة تعلم أن تراجع ما أنجزته وما لم تستطع إنجازه، وخطط لليوم التالي أو المرحلة القادمة قبل نومك؛ فمثل هذا يوفر لك وقتاً ثميناً تضيعه في اليوم التالي في التفكير في قائمة أعمالك المطلوبة.
وضع في حسبانك أن تكمل ما لم تنجزه اليوم؛ فإذا لم تستطع إنجاز بعض المهمات؛ فلا تلغِها أو تؤخرها؛ بل اكتبها على قائمة اليوم التالي، أو الذي يليه؛ لأن الإلحاح يضمن فعلها سريعاً، ويضمن لك ما يترتب عليها في المستقبل.

اعترف بحبك ولا تنتقد الآخرين


مقتطفات من كتاب " لا تهتم بصغائر الأمور"


1- اختر ثلاثة أشخاص وأخبرهم بأنك تحبهم:


سأل الكاتب ستيفن ليفين السؤال التالي: لو تبقى من عمرك ساعة واحدة ولم يكن أمامك سوى مكالمة هاتفية واحدة فمن الذي تحب أن تكلمه عبر الهاتف، وماذا ستقول له ولماذا تنتظر حتى الآن؟

بهذا الافتراض بدأ المؤلف توضيح هذه الجزئية، والتي يريد أن يخبرنا فيها بأن العمر لا أحد يعلم متى سينتهي، فلماذا إذن ننتظر أوقاتًا طويلة حتى نخبر من حولنا بأننا نقدرهم ونحبهم؟!

لذلك لا تتردد لحظة في أن تخبر المحيطين والأصدقاء والأهل بأنك تحبهم، فمن يعلم متى سنموت وقد يأخذنا الموت في أي لحظة، وقد يكون وقتها بيننا وبين صديق أو قريب خلاف أو ضيق، فلماذا لا نسارع بأن نزيل هذا الخلاف ونبقي الحب والود قائمًا؟ فهذا سيسعدنا أكثر، وحاول أن تختار اليوم ثلاثة أشخاص وأخبرهم بمدى حبك، وإذا كان بينك وبينهم أي خلاف حاول أن تزيله، وتخبرهم أيضًا بأنك تحبهم سواء عن طريق الهاتف أو أن ترسل لهم رسالة، فليس في الكون أفضل من هذه الكلمة، وستفاجأ بالنتيجة التي ستصل لها، حيث ستجد أن الآخرين سريعًا ما يبدؤون يتفاعلون معك ويبادلونك عبارات الحب.

2- تواضع:
إن التواضع والسلام الداخلي متلازمان، فكلما تخليت عن إثبات ذاتك أمام الآخرين كان من السهولة أن تشعر بالسلام الداخلي، كما إن إثبات ذاتك يعتبر عيبا خطيرا يستنفد منك طاقة هائلة لكي تذكر دائما إنجازاتك وتتفاخر بها محاولا إقناع الآخرين بتفوقك، ويخبرنا المؤلف في هذه الجزئية أن التباهي أو التفاخر سيزيد الأمور سوءًا؛ حيث سيتسبب في تجنب الآخرين لك وقيامهم بالتحدث عليك من ورائك حول رغبتك في التفاخر، بل ربما يستاؤون أو يمتعضون منك.

ومع ذلك فمن الغريب أنك كلما كنت زاهدا في البحث عن المديح كلما امتدحك الناس أكثر؛ وهذا لأن الناس عادة يجتذبهم هؤلاء الذين يتمتعون بالهدوء والثقة بالنفس.. هؤلاء الذين ليسوا في حاجة لأن يظهروا أنفسهم بمظهر مزخرف، أو أن يكونوا دائما على صواب، أو الباحثين عن المجد والشهرة.

3- بادر أنت بإلقاء سلة القمامة:
أما هنا فيخبرنا المؤلف بطريقة جديدة لنوجد بها السعادة في حياتنا؛ وهي عن طريق ألا نفكر في عدد المهام أو الأشياء اليومية التي نفعلها أو عدد المهام التي ما زالت أمامنا لنفعلها، وألا نقارن تلك الأعمال بأي شخص آخر، كأن يقارن الزوج مثلًا الأعمال التي يقوم بها بزوجته، أو يبدأ في عدّ المرات التي قام فيها هو بإخراج سلة القمامة للخارج، وعدد المرات التي فعلتها زوجته!

في الحقيقة يصعب عليك أن تكون إنسانا سعيدًا إذا كنت تحسب الأشياء التي تقوم بها كل يوم، حيث إن حساب ما تقوم به في الحقيقة يحبطك ويجعل عقلك ينشغل بأمور مثل من يفعل هذا ومن يفعل أكثر، لذلك لا تشغل نفسك بمثل هذه الأمور التافهة وترفع عنها، وإذا كانت سلة المهملات تشغلك كثيرًا فتخلص منها عن طريق مبادرتك أنت في إخراجها.

4- لا تنتقد الآخرين:
وهنا يوجهنا الكاتب إلى ضرورة أن نلتفت ونأخذ حذرنا من ألا ننتقد الآخرين، أو نقوم معهم بدور الخبير والعالم ببواطن الأمور؛ لأن مثل هذا التصرف لن ينفر الناس منا فقط، وإنما سيشعرنا أيضًا بأننا سيئون، ويدفعنا دائما إلى التفكير في أخطاء كل شيء حولنا أو ما لا نحبه فيمن حولنا، ولن نشعر وقتها بالرضا أبدًا.. بل يمكن أن نشعر بالملل من كل شيء حولنا، ونجد وقتها أن كل شيء مليء بالعيوب، لذلك إذا وجدت أي شيء قد لا يعجبك في زوجتك أو صديقك أو أي شيء حاول أن تغلق فمك وتلتزم الصمت، واذكر لهذا الشخص شيئَا لطيفًا بدلا من النقد.

5- تذكّر أن الناس مختلفون:
وهنا يقول لنا د. ريتشارد كارلسون أنه ليس لزامًا على الآخرين أن ينظروا للأمر أو لأي موضوع من نفس الزاوية التي ننظر نحن منها؛ وهذا لأن كل شخص مختلف عن الآخر بسبب النشأة والعادات والتقاليد والتربية والشخصية والعديد من الأشياء الأخرى التي تؤثر في الإنسان، واعلم أن هذا المبدأ يستطيع بالفعل أن ينهي المشاحنات ويشعرك بالراحة والهدوء النفسي، فعندما نتعود أن نرى الأمور بشكل مختلف، وعندما نسلم بأن الآخرين سينجزون الأمور بأسلوب مختلف، ويكون لهم رد فعل مختلف أيضا على نفس الحافز فإن الشعور بالعطف تجاه أنفسنا وتجاه غيرنا سيزداد بدرجة كبيرة.

اجعل جنتك في قلبك


سفينة الحياة لا تسير بنا أبدا هادئة؛ وإنما تتقلب ما بين النعيم والشقاء، والسكون والصراع، والغنى والفقر، ونسيم وادع وإعصار جارف..

وليس في الأمر جديد؛ فالدنيا هي دار الابتلاء والاختبار..

لكن ما أجمل الحياة حينما نقابلها بقلب ثابت، معلق بحب الله، يرى حكمة الله تختفي في الخير الذي ينالنا والشر الذي يصيبنا؛ فيقابل ذلك كله بالحمد.. يعيش في جنة الله؛ وهو لا يزال في الدنيا؛ فقد زرعها في قلبه، يستمع إلى تغريد طيرها، ويسبح في أنهارها، وتصفو روحه في سكونها.

فلا تجعل نفسك -أخي الحبيب- رهينة الواقع المؤلم؛ فيغلبك اليأس والقنوط؛ بل ألقِ الألم وراء ظهرك، واقتلع أشواك الحزن، وعش بروحك في الجنة، وامض في الحياة بصدر المؤمن الصادق الإيمان، الذي يحيا في معية الله.

الإمام أحمد بن حنبل قاسى العذاب الأليم خلال مدة حكم الخليفة المأمون، عندما مال الخليفة إلى رأي المعتزلة في أصل القرآن بأنه مخلوق, بينما رأي الإمام أن القرآن قديم منذ الأزل.

ويرفض غرور المأمون أن يخالفه أحد من العلماء, ولو كان في مقام ابن حنبل؛ فأقسم أن يعذبه حتى يوافقه الرأي.

ويدخل الإمام السجن، ويضربه الجلاد بالسياط، وينخسه بالسيف، ويداس بالأقدام حتى يغمى عليه.. وتستمر تلك المعاناة بكل أيامها المؤلمة سنوات طوالا، في مدة حكم المأمون، ومن بعده المعتصم والواثق.

أما ابن حنبل؛ فقد كان يثير دهشة جلاديه بتلك الابتسامة التي تنير وجهه؛ حتى إن تلاميذه يشفقون عليه يوما ويحدثونه أن يصبر على عذاب السجن، فيقول لهم كلمات قليلة جدا، تكشف سر تجلده على تحمل العذاب: "أنا جنتي في صدري".

لقد حدد ابن حنبل الفرق بينه وبين غيره، أنه يحمل جنته في صدره.. وأنه رجل يعيش في جنة الرضا عن الله، وليس يعنيه أن يوضع في السجن أو في قصر؛ فهو في الجنة سواء وضعوه في قلب النعيم أو في قلب العذاب.

فإذا نال أعداؤه من جسده، فهذه روحه تحلق بعيدا.. بعيدا عن جلاديه.. في الجنة.. فكيف لهم أن يُخرجوه منها؟!
إنه إذن لأمر عجيب!!

لكن لما العجب؛ والرسول يقول لأصحابه: إن للجنة رائحة طيبة, يجدها المؤمن من مسيرة أربعين عاما.

ويعرف التاريخ الإسلامي محنة مشابهة, لفقيه كانت كل جريرته أنه تمرد على العقول المتحجرة لبعض الفقهاء؛ فعرف السجن ومرارته مرات عديدة.. إنه شيخ الإسلام "بن تيمية".

كان حراسه وتلاميذه يعجبون من صبره على ظُلمة السجن؛ فكان يقول لهم بلهجة الواثق والمتحدي لكل أعدائه: "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما رحت لا تفارقني، حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".

لقد أرهق شيخ الإسلام أعداءه ومخالفيه..

وتحداهم جميعا بكلماته القوية: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة الإيمان.. والمحبوس مَن حُبِس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه".

ويا لها من كلمات تنير الطريق, وتنقشع بها الغيوم.. وسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه..

الشيخ القرضاوي ذاق تجربة السجن.. فكتب يتحدى أعداءه:
ضع في يدي القيد، ألهب أضلعي     ..     بالسيط ضع عنقي على السكين
لن تستطيع حصار فكري ساعة     ..     أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي     ..     وربي ناصري ومعيني
سأعيش معتصما بحبل عقيدتي     ..     وأموت مبتسما ليحيا ديني

فأي تحدٍّ هذا للظلم والظلمات، والجبابرة، والظروف القاسية!!

فعش -أخي الكريم- في جنتك، وازرع فيها الأمل لتنشر مِن حولك السعادة.. لتلوذ بها إذا ما اشتدت عليك وطأة الحياة..
فنسنت فان جوخ -الرسام الهولندي الشهير- قضى الجزء الأكبر من حياته يعاني الفقر، وفقدان الحب.. وتقلّبت سفينة حياته ما بين الشقاء والحزن، وسخرية الناس، واستهزائهم به، ووصَمَه بالجنون.

وخلال سنوات عمره القصير، أنتج أكثر من 2000 عمل، لم يستطع أن يبيع أيا منها خلال حياته..

كان يرسم ثم يعرض رسوماته على الفنانين الكبار؛ لكنهم كانوا يصدمونه بآرائهم السلبية؛ حتى إن أحدهم قال له يوما: "إن رسومك يا فان جوخ رديئة".

فكان رساما فقيرا، يجوب الريف بأسمال بالية، وحذاء ممزق، يستجدي خبزه بما يرسمه.

لكن حينما أمسك بالفرشاة بين أنامله، جاءت لوحاته أجمل وأروع من الأصل الذي يُنقل عنه.. وهو أمر يثير دهشة أخيه، الذي يسأله يوما: "إني أرى الجمال في كل ما ترسمه، وأنت لم تعرف للحياة معنى، ولم تنعم بجمالها يوما، كيف تصوّر هذا الجمال الذي لا تراه؟!".

فيرد الرسام الفقير: "لقد حُرمت من كل متع الدنيا، ومن أجل هذا حاولت أن أعطي لوحاتي كل ما كنت أحلم به وأتمناه لنفسي.. سوف تعيش أعمالي في السعادة التي حرمت منها".

لقد أبدع الرسام العالمي لوحاته من تلك الجنة التي كان يحملها في صدره للحياة، وعاش فيها بروحه، أما جسده، ذلك الكيان المادي؛ فقد كان يبدو للناظر أنه محبوس في الدنيا، متقيد بحدودها من نصيب الغني والفقر..

فهجر جوخ الدنيا، وعاش بروحه في جنته؛ فأبدع لوحات لا تزال تبهر مشاهديها على مر العصور.

___


بقلم: سيد حامد - المصدر: موقع بص وطل

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger