يا للرجال بلا ديـن !


مقال للشيخ محمد الغزالي رحمه الله:
إنني أسأل نفسي بإلحاح في هذه الأيام العجاف : هل يشعر العرب بأن محمداً مرسل للعالمين، وأن هذه “العالمية” في دعوته تفرض عليهم بعد إذ عرفوه أن يعرفوا الناس به، وهم عندما يعرفون الناس به لن يصفوا لهم ملامحه الشخصية وإنما يشرحون لهم رسالته الإلهية !
لكن عرب اليوم لا يقدرون محمداً قدره، ولا يخلفونه بأمانة في مبادئه وتعاليمه، ولا يحسون قبح الشبهات التى أثارها خصومه ضده، بل هم ـ علماً وعملاً ـ مصدر متاعب للإسلام ولنبيه الكريم، وشاهد زور يجعل الحكم عليه لا له !
قد تقول حسبك حسبك أن الناس بخير، ومحبتهم لرسولهم فوق التهم فلا تطلق هذه الصيحات الساخطة، فما تحب الجماهير أحداً كما يحب أتباع محمد محمداً ..
وأقول لك : سوف أغمض العين عن ألوف من المتعلمين ضلل الاستعمار الثقافي سعيهم وشوه بصائرهم وأذواقهم، مع أن وزنهم ثقيل فى قيادة الأمة العربية، فما قيمة الحب الرخيص الذى تكنه جماهير الدهماء ؟
إنه حب غايته صلوات تفلت من الشفتين مصحوبة بعواطف حارة أو باردة، وقلما تتحول إلى عمل كبير وجهاد خطير، والترجمة عن حب محمد بهذا الأسلوب في وقت ينهب فيه تراثه أمر مرفوض إن لم يكن ضرباً من النفاق !


أذكر أنى ذهبت يوماً لأحد التجار كي أصلح شيئاً لي، فاحتفى بي وقدم بعض الأشربة، وأفهمنى أنه أتم ما أريد بعد أن وفيته ما أراد . ثم شعرت أن عمله كان ناقصاً ولا أقول مغشوشاً !
فقلت : ليته ما حيا ولا رحب وأدى ما عليه بصدق ! ماذا أستفيد من تحيات لا جد معها ولا إخلاص .
والشأن كذلك مع أقوام قد تموج أحفال المولد النبوي بهم أو قد يصرخون بالصلاة على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أعقاب الأذان، أو قد يؤلفون صلوات من عند أنفسهم يحار المرء فى تراكيبها لإغراقها فى الخيال .
وقد يكون حبهم تمسكاً شديداً ببعض النوافل وهروباً تاماً من بعض الفرائض أو حناناً لا ندى معه ولا عطاء كهذا الذي قال له الشاعر :
لا ألفينك بعد الموت تندبني  وفى حياتى ما قدمت لى زادا !
أي حب هذا .. إن العرب لا يعرفون أي شرف كتب لجنسهم ولغتهم وأمسهم وغدهم عندما ابتعث الله محمداً منهم، وإن التقدير الحق لهذا الشرف لا يكون بالسلوك المستغرب الذي يواقعونه الآن ومنذ بدأوا يعبثون برسالة الله بينهم .
لما أراد رب العزة أن يعلن بركته النامية ورحمته الهامية اختار فى كتابه العزيز عبارتين مبينتين :
الأولى : تتحدث عن البركة فى مظهر القدرة التى تجمع أزمة الكون فى يده، فيستحيل أن يغلب يوماً على أمره أو يشركه أحد فى ملكه، وفى هذا المعنى يقول جل شأنه ” تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير ” .
والثانية : تتحدث عن البركة فى صورة الرجل الذى حمل هداه الأخير إلى عباده وتفجرت ينابيع الحكمة من بيانه وسيرته، فكان القرآن الذى يتلوه مشرق شعاع لا ينطفي، يهتدى على سناه أهل القارات الخمس ما بقى الليل والنهار . وفى هذا المعنى يقول جل شأنه ” تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ” [ الفرقان ] .
إن الإنسان المبعوث رحمة للعالمين أشعل الأمة التي ظهر فى ربوعها فانطلقت لأول مرة من بدء الخليقة تحمل للناس الخير والعدل واستطاعت أن تؤدب جبابرة الأرض الذين عاثوا فى أرجائها فساداً وظنوا أن كبرياءهم لن يخدشها أحد !
حتى جاء الرجال الذين رباهم محمد، فقوموا صعر المعتدين، وأعزوا جانب المستضعفين، وكم تحتاج الدنيا فى يوم الناس هذا إلى هذا الطراز من الرجال ليحموا الحق الذليل وينقذوا التوحيد المهان ويقروا الأخوة الإنسانية المنكورة وينزلوا البيض إلى منزلة السود أو يرفعوا السود إلى منزلة البيض ..
لكن السقطة الرهيبة للعرب المعاصرين أنهم ذاهلون عن المكانة التى منحهم محمد إياها هابطون عن المستوى الذى شدهم إليه، وفيهم من يفتح فمه ليقول : إن العرب يمكن أن يكونوا شيئاً من غير محمد !!
قبح الله وجهك من قائل أفاك ..
ومن أيام جاءني نفر من العامة متنازعون على إدارة مسجد : بعضهم يريد أن يقول فى الأذان : ” أشهد أن ” سيدنا ” محمداً رسول الله ”   والآخر يريد الاكتفاء بالوارد فلا يذكر لفظ ” سيدنا ” لأنه مبتدع .
ونظرت إلى أعراض المرض الذى يفتك بالأمة المعتلة، وقلت لهم : إن محترفي الإفك من المبشرين والمستشرقين ملأوا أقطار العالم بالافتراء على محمد وشخصه ودينه، ورسموا له صورة مشوهة فى أذهان الكثيرين وأنتم هنا لا تزالون فى هذا الغباء .
ما أشقى ديناً أنتم أتباعه، إن المسلمين بين ما ورثوا من جهل وما نضح عليهم من ضلال العصر لا يزالون يهرفون بما لا يعرفون ..
إن حب محمد يوم يكون لقباً يضفيه عليه الكسالى الواهنون فهو حب لا وزن له ولا أثر ! ويوم يكون أحفالاً رسمية وشعبية بيوم ميلاده فهو حب لا وزن له ولا أثر ! ويوم يكون قراءة للكتاب المنزل عليه فى مواكب الموت ومجالس العزاء فهو حب لا وزن له ولا أثر ! ويوم يكون ادعاء تستر به الشهوات الكامنة والطباع الغلاظ فهو حب لا وزن له ولا أثر ! .. لأن محمداً هو الرسول الذى رسم للبشر طريق التسامى الحقيقى، ورسم للجماعات طريق التلاقى على الحقائق والفضائل فدينه عقل يأبى الخرافة وقلب يعلو على الأهواء.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger