حكاية رجل مستقيـم


هل أصبحت حكاية رجل مستقيم من الطرائف النادرة في هذا العصر بحيث تحتل الصفحات الأولى في الجرائد وتوضع على رؤوس الأعمدة وتلفت إليها الأنظار ويتحاكى بها الناس على أنها من العجائب والغرائب‏..‏ فهذا رجل يرد حافظه نقود بها بضعه ألوف من الدولارات عثر عليها في الطريق العام ويعيدها إلى صاحبها ويرفض أن يأخذ مكافأة ولا ينتظر ثناء من أحد ولا يريد أحدا أن يكتب عنه‏..‏ ويمضي إلى حال سبيله يلملم أطراف جلبابه القديم ويختفي عن الأنظار‏..‏ من اي عالم جاء هذا الرجل‏..‏ ومن أي كوكب هبط‏..‏ ومن أي زمن من الأزمان البائدة نزل علينا‏..‏ وهل يعود إلى بلده في مركبه فضائية؟؟!!إنه جنس من الأجناس البشرية البائدة بلا شك نقرأ عنه في الكتب القديمة وفي قصص الأطفال‏..‏ ونعلم يقينا أنه انقرض مثل الديناصورات التي انقرضت وأنه لم يتبق منه ألا هذه الحفرية النادرة‏.‏ورغم أن صوت الدين الآن عال جدا في الميكروفونات وفي خطب المساجد‏..‏ والمسابح نراها تجلجل في كل يد‏..‏ ورغم أن أكثر اللحي طالت وارتفع رصيد المواطن العادي من العمرات ومن زيارة الرسول ومن الطواف حول الكعبة ومن ترديد الادعية‏..‏ إلا أن الدين نفسه غير موجود‏..‏ الدين بمعنى الامانة والاستقامة والصلاح والعمل النافع وطهاره اليد ونقاء الضمير والزهد في الدنيا وتقوى الله والعمل للاخرة‏..‏ فهذه الأخلاق أصبحت شيئا نادرا‏..‏ والجماعات الدينية تشغل نفسها بمسائل أخرى مثل القاء قنابل المسامير وقتل السياح في مذبحة الاقصر لانهم كفرة ! (‏ رغم أن هذه الجماعات الدينية تعيش في انجلترا وفي أمريكا تحت وصاية وحماية المخابرات الاجنبيه وتنفق عليها الـسي آي إي وهي تنفذ لهذه المخابرات خططها الاستعمارية بمنتهى الدقة والأمانة‏)..‏ ما علاقة كل هذا بالاسلام‏..‏ وما الخدمة التي يقدمونها‏..‏ تلك فزوره أخرى في هذا العصر العجيب المليئ بالفوازير والمتناقضات ومن هو الإله المعبود في هذا الزمان؟‏!!‏انه ليس الله قطعا .. إنه الدولار‏..‏ ربما إنه الدنيا‏..‏ رغم كل هذه اللحى الطويلة وأسفار الحج والعمرة والمساجد المزخرفة التي تطاول السماء‏..‏ وهو شيطان النفس الذي يزين للنفس كل ما تهوي في جميع الأحوال‏..‏ وما أكثر الذين يتصورون أنهم يعبدون الله وهم أبعد ما يكونون عنه‏..‏ وقد اقنع كل واحد منهم نفسه وأقنعه شيطانه بانه يعمل لله وللرسول ولليوم الاخر وأنه المسلم الحق وليس له من الاسلام إلا الإسم‏..‏ وقد فعل من قبلهم القرامطة نفس الشيئ فهدموا الكعبة وقتلوا الحجيج وسرقوا الحجر الأسود وظنوا انهم يخدمون الدين‏..‏ والجماعات الدينيه الجديده يسمونها اليوم بجماعات الأفغان لانها بدأت في أفغانستان‏.‏وهذه الجماعات الافغانية هي التي هزمت الروس في حرب بطولية بالأموال والاسلحة الامريكية ثم هزمت نفسها بالانقسام والتشرذم‏..‏ ثم مضت تحارب بعضها بعضا في حرب استنزاف لا يبدو لها اخر‏.‏وهي تنفق على نفسها اليوم من مزارع المخدرات ومن عوائد الافيون والكوكايين والهروين‏.‏قصه طويله لا علاقه لها بالله ورسوله !!وهذا هو العصر العجيب الذي يضع اللافتات الدينية المبهرة‏..‏ على بضائع لا علاقة لها بالدين‏..‏ ويصوغ المفاهيم السياسية لأفعال لا علاقه لها بالسياسة‏..‏ وهناك دائما ضجيج وعجيج ومنشورات وإذاعات وفكر مختلط‏..‏ وناس يقتل بعضهم بعضا بدعوى الكفر والقاتل فيهم أشد كفرا من قتيله‏.‏

والموضوع‏..‏ لا شيئ‏..‏ سوى النفس وأدغالها‏..‏ والدنيا وغاباتها‏..‏ وعواء الذئاب في البيت الأبيض‏..‏ ومكائد الكبار في مجلس اللوردات‏..‏ وفي بيوت الاستعمار ومراكزه العتيده‏..‏ وصراع المصلحة واللقمة في كل بيت علي هذه الارض‏..‏ وحكايه العثور على رجل مستقيم في هذه الدهاليز والكهوف والمخابئ أصبحت شيئا عزيزا مثل العثور على فص من الألماس في كومة من النفايات أو في وكر أفاعٍ أو في بقايا حريق‏.‏
وهو أمل عزيز في هذا العصر الذي انتهت فيه النبوات ولم تبق فيه إلا السير والاقاويل و الإشاعات والذكريات والأوهام التي تنمو في عقول البعض فيظنون بانهم من أهل الخصوصية في التدين وأنهم رجال آخر الزمان ولكن الخير موجود رغم هذه الأعشاب الطفيلية التي نمت في حديقه الإسلام والحق موجود رغم غلبة الباطل‏.‏ولا أشك في وجوده رغم ندرته‏..‏ ومن حين لآخر نعثر على حفريات نادرة تدل عليه مثل صاحبنا الرجل المستقيم ولو اختفى الخير من هذه الارض لما طلعت عليها شمس‏..‏ وأنا مازلت أبحث عن الرجل المستقيم في شوق الواثق المطمئن ومن يصادف منكم هذا الرجل فليخبرني بعنوانه فاني أريد ان أتعلم منه وأتأدب على يديه وأترسم خطاه وأهتدي بهديه ولا تحدثوني عن مهدي منتظر‏..‏ فقد قابلت اثني عشر من هولاء المهديين‏..‏ وكلهم اولى بهم عنبر الأمراض العقلية.‏والمهدي الحقيقي لا يعلم انه مهدي‏..‏ فالرجل الصالح لا يعلم انه صالح بل هو يتهم نفسه على الدوام ويرى أن إيمانه دون المستوى الواجب‏..‏ وأنه مقصر‏..‏ ويقولون أن هذا المهدي لن يطلب البيعة بل سوف تأتيه البيعة رغما عنه فيعتذر عنها‏.‏وقد يكون هذا المهدي بعض أحلام هذه الامة وبعض أمانيها التي تراها في أحلام يقظة‏.‏والعطشان يحلم بالماء الزلال‏..‏ ولا يرتوي رغم كثره الماء من حوله وهذه الأمة عطشى حتى أعماق نخاعها‏.‏وهي تقرأ القرآن وتزداد إدراكا لنقصها وتزداد عطشا إلي مكانتها المفتقدة‏.‏متي يأتي رجال آخر الزمان؟‏!!‏ هكذا يتسائل مشايخنا‏..‏ الله وحده هو القادر على ذلك وهو وحده صانع الرجال وهو وحده صانع الزمان وصانع كل الأزمنه ومالك الابد والديمومة‏.‏وقد جاءنا بالأنبياء والأصفياء والأولياء والصديقين والشهداء الذين زين بهم صحيفة التاريخ من قبل‏..‏ وأخرجهم وحده من باطن الغيب وجعلهم مصابيح الهدى‏ ونجوم السعد والله خلاق لا يكف عن الخلق والله منان يمن علينا ولا نملك ان نمن عليه بشيئ..ابحثوا معي عن ضاله الوقت وعن جوهرة العصر المكنونة عن ذلك الرجل الصادق المستقيم ابحثوا عنه في كل جنبات الدنيا‏..‏ وفي الانترنت‏..‏ وفي كتب الطالع‏..‏ وابلغوني يا سادة متى عثرتم له على أثر‏.‏ولا تقولوا لي أنه مات‏..‏ وأن الدنيا خلت من أهل الخير‏..‏ فهذا مستحيل‏..‏ فالطيبون هم ملح الارض ولكن لا احد منهم يعلن عن نفسه‏..‏ ونوادي الجولف وكلوب محمد علي وجماعات الروتاري والليونز والصفوة من رجال المال والأعمال ونجوم الشهرة وأهل الصدارة والمهارة لايدرون بهولاء الأخيار الأبرار ولا يعرفونهم ولا يكشفهم ربنا إلا لخاصته فهم أهل الستر الذين أخفاهم ربنا غيرة عليهم وأسدل عليهم ستره صيانه لهم من الابتذال‏.‏وهم الفقراء الاغنياء عن الكل بما هم فيه من خصوصية حال يخفون كراماتهم كما تخفي المرأة عورتها ويأنسون إلى الظل ويرتاحون إلى الخفاء..‏ لا تعلمهم الله يعلمهم ولا يبدي منهم إلا ما شاء أن يبديه وقتما يريد أن يبديه وهؤلاء هم الصالحون حقا.‏واني لشديد الشوق الي رؤيتهم‏..‏ شديد الشوق إلى التعرف بهم‏..‏ فهم مرافئ الأمان في هذا العالم الذي يمتلئ بالضجيج والشرور والزيف واللاجدوى، هذا العالم الذي يمتلئ بالزحام والتكالب على المغانم والمنافع‏..‏ ولا منافع ولا مغانم‏..‏ بل سراب وهباء وقبض الريح‏..‏ فالأيدي التي تدفن الموتى سوف تنادي غدا على من يواريها التراب‏..‏ والقاتل وقتيله سوف يتمددان جنبا إلى جنب طال الزمن أو قصر‏..‏ وما الزمن الا برهة.‏ وسانحه من سوانح الوهم‏..‏ وبين كان ويكون‏..‏ تخطئ جميع الحسابات وتخيب كل التوقعات وتحدث كل المفاجات ولا يعلم الغيب الا الله‏.‏والكل بين يدي هذا الغيب بلا حيلة‏..‏ يقول ربنا عن هؤلاء السكارى بخمر الدنيا كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من النهار وفي آية أخرى‏..‏ كأن لم يلبثوا الا ساعة من نهار يتعارفون بينهم‏.‏وهذا شأن الدنيا بطولها وعرضها‏..‏ ما كانت إلا مجرد ساعه تعارف‏..‏ لقاء عابر بين الكل على رصيف قطار‏.‏وقد تقاتلوا علي هذه الساعة وأشعلوا الحروب وخاضوا المذابح والمجازر وكسبوا الساعة ولكن خسروا في مقابلها الأبد كله‏.‏وأومضت الساعة وانتهت وخلفت لهم الابد المديد عذابا بلا انتهاء‏..‏ هكذا سوف يرون صحوة البعث آبادا من الندم المرير تحيط بهم من كل جانب وكل هذا من اجل ساعة زمان‏..‏ كيف أعماهم الطمع عن رؤية الحقيقة‏..‏ كيف أعمتهم الغفلة وكيف أضلهم الأمل‏..‏ وكيف اغوتهم المكاسب الزائلة وكيف أبرموا تلك الصفقة الخاسرة التي خسروا فيها أنفسهم وخسروا كل شيئ وما أسعد هؤلاء الذين أدركوا الأمر قبل الفوات وافلتوا من قبضة الغواية.‏ هكذا يصبح أهل الاستقامة محل الحسد من الجميع ساعتها وهكذا سوف يغبط الكل هذا الرجل المستقيم ويتمنون مكانه‏..‏ وهكذا سوف يعلو شأن الاستقامة وتصبح حلما عزيزا يتمناه الجميع ولكنه طمع في غير مطمع فالزمن قد مضى في اتجاه واحد وما مضى منه لن يعود وعمارة الدنيا التي انهدمت لاسبيل إلى عودتها وما ضاع من فرص لا سبيل  إلى استردادها‏.‏

ترى هل نعتبر‏..‏ ترى هل نعقل‏..‏ ترى هل نسفيق من غفلتنا‏..‏ ومن حسن الحـظ أننا مازلنا في الدنيا لم نبرحها‏..‏ ومازالت هناك فرصة‏..‏ مازلنا على الشاطئ ولم تنته الساعة بعد‏..‏ مازال فيها بضع دقائق وبضع ثوان قبل إغلاق دفتر الكون‏.‏
نعم‏..‏ مازال هناك بضع دقائق وبضع ثوان الله أعلم بطولها وفي الإمكان أن نفعل شيئا‏.‏هل نغنم هذه الدقائق ونغنم أنفسنا ونصبح هذا الرجل المستقيم النادر المثال؟؟؟ ولو لمدى لحظات‏.‏هل نفلت من قيد العادة المعتادة ونصبح من أهل الاستثناء‏.‏هل ... ؟؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger